فصل: دِيَةُ الْإِبْهَامِ وَالْكَفِّ وَتَقْطِيعِ الْيَدِ:

صباحاً 10 :40
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
29
الإثنين
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.بَابُ حَدِّ الْمُوضِحَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ:

قُلْت: صِفْ لِي مَا حَدُّ الْمُوضِحَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا أَفْضَى إلَى الْعَظْمِ وَإِنْ كَانَ مِثْلُ مَدْخَلِ إبْرَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هِيَ مُوضِحَةٌ.
قُلْت: فَمَا حَدُّ الْمُنَقِّلَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَا أَطَارَ فِرَاشَ الْعَظْمِ وَإِنْ صَغُرَ فَهِيَ مُنَقِّلَةٌ.
قُلْت: فَمَا حَدُّ الْمَأْمُومَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا يَخْرِقُ الْعَظْمَ إلَى الدِّمَاغِ وَإِنْ مَدْخَلَ إبْرَةٍ فَهِيَ مَأْمُومَةٌ.
قُلْت: فَمَا حَدُّ الْجَائِفَةِ؟
قَالَ: مَا أَفْضَى إلَى الْجَوْفِ وَإِنْ مَدْخَلَ إبْرَةٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْجَائِفَةَ إذَا أَنْفَذَتْ، أَيَكُونُ فيهَا ثُلُثَا الدِّيَةِ أَمْ ثُلُثُ الدِّيَةِ؟
قَالَ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ في ذَلِكَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ فيهَا ثُلُثَا الدِّيَةِ.

.دِيَةُ الْإِبْهَامِ وَالْكَفِّ وَتَقْطِيعِ الْيَدِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمَفْصِلَيْنِ مِنْ الْإِبْهَامِ كَمْ فيهِمَا؟
قَالَ: عَقْلُ الْأُصْبُعِ تَمَامًا في كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْ الْإِبْهَامِ نِصْفُ عَقْلِ الْأُصْبُعِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ إبْهَامَ رَجُلٍ فَأَخَذَ دِيَةَ الْأُصْبُعِ، ثُمَّ قَطَعَ رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ الْعُقْدَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ الْإِبْهَامِ في الْكَفِّ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فيهِ إلَّا الْحُكُومَةُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْكَفَّ إذَا لَمْ يَكُنْ فيهَا أَصَابِعُ فَقُطِعَتْ، مَا فيهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: الْحُكُومَةُ.
قُلْت وَكَذَلِكَ إنْ قَطَعَ بَعْضَ الْكَفِّ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَطَعَ أُصْبُعَيْنِ بِمَا يَلِيهِمَا مِنْ الْكَفِّ؟
قَالَ: إنْ كَانَ في ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَخُمْسَا دِيَةِ الْكَفِّ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: وَلَا يَكُونُ لَهُ مَعَ ذَلِكَ حُكُومَةٌ؟
قَالَ: لَا.

.بَابُ هَلْ تُؤْخَذُ في الدِّيَةِ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَالْخَيْلُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْخَيْلَ، هَلْ تُؤْخَذُ في الدِّيَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ يُؤْخَذُ في الدِّيَةِ إلَّا الْإِبِلُ وَالدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ.
قُلْت: فَفي كَمْ تُؤْخَذُ الدِّيَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: في ثَلَاثِ سِنِينَ.
قُلْت: مِنْ الْإِبِلِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ في ثَلَاثِ سِنِينَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ لَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَفي سَنَةٍ؟
قَالَ: نَعَمْ كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ؟
قَالَ: هَذَا في مَالِ الْجَانِي حَالًا.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الثُّلُثَانِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في سَنَتَيْنِ.
قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَالنِّصْفُ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يَجْتَهِدَ الْإِمَامُ في ذَلِكَ.
قُلْت: وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ في ذَلِكَ؟
قَالَ: إنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَهُ في سَنَتَيْنِ جَعَلَهُ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَهُ في سَنَةٍ وَنِصْفٍ جَعَلَهُ.
قَالَ: وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ مَرَّةً في نِصْفِ الدِّيَةِ: إنَّهَا في سَنَتَيْنِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالسَّنَتَانِ أَعْجَبُ إلَيَّ وَيَقُولُ ذَلِكَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ ثَلَاثُ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعٌ.
وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَرْسَلَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ يَسْأَلَهُ في كَمْ تُقْطَعُ الدِّيَةُ؟
قَالَ: فَأَرْسَلَ إلَيْهِ: في ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعِ سِنِينَ.
قُلْت: وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ؟
قَالَ: في ثَلَاثِ سِنِينَ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الدِّيَةِ؟
قَالَ: أَرَى اجْتِهَادَ الْإِمَامِ في السُّدُسِ الْبَاقِي.
قُلْت: فَمَنْ أَهْلُ الدَّنَانِيرِ في الدِّيَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ.
قُلْت: فَمَنْ أَهْلُ الْوَرِقِ؟
قَالَ: أَهْلَ الْعِرَاقِ.
قُلْت: فَمَنْ أَهْلُ الْإِبِلِ؟
قَالَ مَالِكٌ: هُمْ أَهْلُ الْعَمُودِ وَهُمْ أَهْلُ الْبَوَادِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ أَهْلُ الْبَوَادِي: نَحْنُ نُعْطِي الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ، أَوْ قَالَ أَهْلُ الْوَرِقِ: نَحْنُ نُعْطِي الذَّهَبَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ إلَّا الذَّهَبُ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ إلَّا الْوَرِقُ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ إلَّا الْإِبِلُ.

.عَقْلُ جِرَاحِ الْمَرْأَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ، إلَيْهِ كَمْ تُوَازِي الرَّجُلَ، إلَى ثُلُثِ دِيَتِهَا هِيَ أَمْ إلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ وَلَا تَسْتَكْمِلُهَا، أَيْ إذَا انْتَهَتْ إلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ رَجَعَتْ إلَى عَقْلِ نَفْسِهَا.
وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ: أَنَّ لَهَا في ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ وَنِصْفِ أُنْمُلَةٍ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَثُلُثَيْ بَعِيرٍ، فَإِنْ أُصِيبَ هَذَا مِنْهَا كَانَتْ فيهِ، وَالرَّجُلُ سَوَاءً، فَإِنْ أُصِيبَ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ وَأُنْمُلَةٌ رَجَعَتْ إلَى عَقْلِ نَفْسِهَا وَكَانَ لَهَا في ذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ بَعِيرًا وَثُلُثَا بَعِيرٍ.
وَكَذَلِكَ مَأْمُومَتُهَا وَجَائِفَتُهَا إنَّمَا لَهَا في ذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ بَعِيرًا وَثُلُثَا بَعِيرٍ في كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّهَا قَدْ وَازَنَتْ الرَّجُلَ في هَذَا كُلِّهِ إلَى الثُّلُثِ، فَتُرَدُّ إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ إلَى دِيَتِهَا.
قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: وَإِذَا قُطِعَتْ أُصْبُعٌ مِنْ كَفِّ الْمَرْأَةِ أَخَذَتْ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَإِنْ قُطِعَتْ لَهَا أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْكَفِّ أَيْضًا أَخَذَتْ عَشْرًا أُخْرَى، فَإِنْ قُطِعَتْ لَهَا أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْكَفِّ أَيْضًا أَخَذَتْ عَشْرًا، فَإِنْ قُطِعَتْ أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ الْكَفِّ لَمْ يَكُنْ فيهَا إلَّا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَإِنْ قُطِعَتْ الْخَامِسَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قُطِعَتْ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ في مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كَفِّ وَاحِدَةٍ كَانَ لَهَا فيهَا ثَلَاثُونَ بَعِيرًا، فَإِنْ قُطِعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْكَفِّ الْأُصْبُعَانِ الْبَاقِيَانِ - جَمِيعًا مَعًا أَوْ مُفْتَرِقَيْنِ - لَمْ يَكُنْ لَهَا في ذَلِكَ إلَّا خَمْسٌ خَمْسٌ في كُلِّ أُصْبُعٍ.
فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: فَإِنْ قُطِعَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ فَأَخَذَتْ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ ثُمَّ قُطِعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْكَفِّ الْأُخْرَى أُصْبُعٌ أَوْ أُصْبُعَانِ أَوْ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ مُفْتَرِقَةٍ أَوْ قُطِعَتْ جَمِيعًا مَعًا؟
قَالَ: يُبْتَدَأُ فيهَا الْحُكْمُ كَمَا اُبْتُدِئَ في الْيَدِ الْأُخْرَى.
وَتَفْسِيرُهُ أَنَّ لَهَا في الْكَفِّ الثَّانِيَةِ في الثَّلَاثَةِ أَصَابِعَ ثَلَاثِينَ بَعِيرًا كَمَا فَسَّرْتُ لَكَ في الْكَفِّ الْأُولَى.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قُطِعَ لَهَا أُصْبُعَانِ مِنْ كُلِّ يَدٍ في ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ لَهَا عَلَى حِسَابِ عَقْلِهَا خَمْسٌ خَمْسٌ مِنْ عَقْلِهَا في كُلِّ أُصْبُعٍ، لِأَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَصَابِعَ فَقَدْ جَاوَزَتْ الثُّلُثَ وَالْقَطْعَ مَعًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَتَفْسِيرُهُ مَا قَالَ مَالِكٌ لَنَا: فَإِنْ قُطِعَتْ أُصْبُعٌ مِنْ إحْدَى الْيَدَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ أُعْطِيت عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، وَإِنْ قُطِعَتْ مِنْ الْيَدِ الْأُخْرَى أُصْبُعٌ أَخَذَتْ عَشْرًا، وَإِنْ قُطِعَتْ جَمِيعًا - هَاتَانِ الْأُصْبُعَانِ - في ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ لَهَا عَشْرٌ عَشْرٌ، فَمَا زَادَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ كَفٍّ كَانَ لَهَا خَمْسٌ خَمْسٌ - كَانَ الْقَطْعُ مَعًا أَوْ كَانَ مُفْتَرَقًا.
فَإِنْ قُطِعَتْ مِنْ يَدٍ أُصْبُعٌ وَمَنْ يَدٍ أُخْرَى ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ في ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَخَذَتْ خَمْسًا خَمْسًا، فَإِنْ قُطِعَ بَعْدَ ذَلِكَ - مِنْ الْكَفِّ الَّذِي قُطِعَ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ - أُصْبُعٌ، وَمِنْ الْكَفِّ الَّتِي قُطِعَ مِنْهَا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ - أُصْبُعٌ أُخْرَى - في ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، أَخَذَتْ لِلْأُصْبُعِ الَّتِي قُطِعَتْ مِنْ الْكَفِّ الَّتِي كَانَتْ قَدْ قُطِعَتْ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ خَمْسًا في الْأُصْبُعِ الرَّابِعَةِ، وَأَخَذَتْ لِلْأُصْبُعِ الَّتِي قُطِعَتْ مِنْ الْكَفِّ الَّتِي كَانَتْ قَدْ قُطِعَتْ مِنْهَا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ عَشْرًا.
وَإِنْ اجْتَمَعَتَا في ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ تَفَرَّقَا، فَذَلِكَ سَوَاءٌ مَا لَمْ تُقْطَعْ في ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْيَدَيْنِ أَرْبَعَةُ أَصَابِعَ.
قَالَ: وَلَوْ قُطِعَتْ مِنْ الْكَفِّ الَّتِي قُطِعَتْ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ أُصْبُعٌ، وَمِنْ الْكَفِّ الَّتِي قُطِعَ مِنْهَا أُصْبُعٌ أُصْبُعَانِ في ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، أَخَذَتْ لِلْأُصْبُعَيْنِ عِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ وَأَخَذَتْ لِلْأُصْبُعِ خَمْسًا.
وَرِجْلَاهَا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ عَلَى مَا فَسَّرْتُ لَكَ مِنْ الْيَدَيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَتَفْسِيرُهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ قُطِعَ مِنْهَا أُصْبُعَانِ عَمْدًا فَاقْتَضَتْ أَوْ عَفَتْ، ثُمَّ قُطِعَ مِنْ تِلْكَ الْكَفِّ أُصْبُعَانِ أَيْضًا خَطَأً، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ لَهَا عِشْرِينَ بَعِيرًا وَلَا يُضَافُ هَذَا إلَى مَا قُطِعَ قَبْلَهُ، لِأَنَّ الَّذِي قُطِعَ أَوَّلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ دِيَةٌ، وَإِنَّمَا كَانَ عَمْدًا وَإِنَّمَا يُضَافُ بَعْضُ الْأَصَابِعِ إلَى بَعْضٍ في الْخَطَأِ.

.شِجَاجُ الْمَرْأَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا فَشَجَّهُ مَأْمُومَاتٍ ثَلَاثًا في ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، كَمْ فيهِنَّ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَأْمُومَاتٌ ثَلَاثٌ فيهِنَّ الدِّيَةُ كَامِلَةً.
قُلْت: فَإِنْ ضَرَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً فَشَجَّهَا ثَلَاثَ مُنَقِّلَاتٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ؟
قَالَ: لَهَا في ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ عَقْلِهَا، نِصْفُ كُلِّ مُنَقِّلَةٍ مِنْ عَقْلِ الرَّجُلِ لِأَنَّهَا قَدْ جَاوَزَتْ الثُّلُثَ.
قُلْت: فَإِنْ ضَرَبَهَا فَشَجَّهَا مُنَقِّلَةً، ثُمَّ ضَرَبَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَشَجَّهَا مُنَقِّلَةً أُخْرَى، ثُمَّ ضَرَبَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَشَجَّهَا مُنَقِّلَةً أُخْرَى؟
قَالَ: هِيَ في جَمِيعِ هَذَا - في قَوْلِ مَالِكٍ - بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ، لَهَا في كُلِّ ذَلِكَ مِثْلُ دِيَةِ الرَّجُلِ لَا تَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ في فَوْرٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ في فَوْرٍ وَاحِدٍ فَهُوَ عَلَى حِسَابِ مَا فَسَّرْتُ لَكَ وَتَرْجِعُ إلَى حِسَابِ عَقْلِهَا، فيكُونُ لَهَا نِصْفُ كُلِّ مُنَقِّلَةٍ مِنْ عَقْلِ الرَّجُلِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ: وَلَوْ ضَرَبَهَا رَجُلٌ فَأَوْضَحَهَا سَبْعَ مَوَاضِحَ في ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، في فَوْرٍ وَاحِدٍ مَوَاضِحَ أَوْ جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةً تَكُونُ مَعَ الْمَوَاضِحَ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ في ذَلِكَ إلَى عَقْلِهَا إذَا كَانَ جَمِيعُ مَا أَصَابَهَا بِهِ يَبْلُغُ ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ رَجَعَتْ إلَى عَقْلِهَا.
وَإِنْ ضَرَبَهَا ضَرْبَةً بَعْدَ ضَرْبَةٍ في غَيْرِ فَوْرٍ وَاحِدٍ، كَانَتْ في عَقْلِهَا في جَمِيعِ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عَقْلِ الرَّجُلِ.
وَلَوْ ضُرِبَتْ مُنَقِّلَةً فَبَرِئَتْ وَأَخَذَتْ عَقْلَهَا، ثُمَّ ضُرِبَتْ عَلَيْهَا أَيْضًا كَانَتْ دِيَتُهَا مُنَقِّلَةً أُخْرَى أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ مُنَقِّلَةِ الرَّجُلِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ ضُرِبَتْ الثَّالِثَةَ عَلَيْهَا بَعْدَ بُرْئِهَا فَشُجَّتْ مُنَقِّلَةً ثَالِثَةً كَانَ لَهَا عَقْلُ مُنَقِّلَةِ الرَّجُلُ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ الْمَوَاضِحُ.
قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ: وَلَيْسَ لِلْمَوَاضِحِ وَالْمُنَقِّلَاتِ مُنْتَهًى عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ.
وَإِذَا أَصَابَ مَبْلَغَ الثُّلُثِ مِنْ الْمَرْأَةِ في ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، فَهُوَ خِلَافُ مَا إذَا أَصَابَ ذَلِكَ مِنْهَا في ضَرَبَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ إلَّا مَا وَصَفْتُ لَكَ في الْأَصَابِعِ، فَإِنَّهُ إذَا قُطِعَ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ - مَعًا أَوْ مُفْتَرِقَةً - ثُمَّ قُطِعَ مِنْهَا الْأُصْبُعُ الرَّابِعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهَا في الْأُصْبُعِ الرَّابِعِ إلَّا الْخَمْسُ مِنْ الْإِبِلِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.

.في لِسَانِ الْأَخْرَسِ وَالرِّجْلِ الْعَرْجَاءِ وَالْيَدِ وَالْعَيْنِ النَّاقِصَةِ وَالسِّنِّ:

قُلْت: مَا قَوْلُ مَالِكٍ في لِسَانِ الْأَخْرَسِ؟
قَالَ: الِاجْتِهَادُ.
قُلْت: كَمْ في الرِّجْلِ الْعَرْجَاءِ؟
قَالَ: الْعَرَجُ عِنْدَ مَالِكٍ مُخْتَلِفٌ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ في الْعَرَجِ بِعَيْنِهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: في كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْإِنْسَانِ مِمَّا لَهُ فَرْضٌ سُمِّيَ مِنْ الْإِنْسَانِ إذَا أُصِيبَ مِنْهُ شَيْءٌ فَانْتَقَصَ ثُمَّ أُصِيبَ - بَعْدَ ذَلِكَ - الشَّيْءُ، فَإِنَّمَا لَهُ عَلَى حِسَابِ مَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَا كَانَ مِنْ خِلْقَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُنْتَقَصْ مِنْهَا شَيْءٌ، مِثْلُ اسْتِرْخَاءِ الْبَصَرِ أَوْ ضَعْفِ الْبَصَرِ، مِثْلُ الْعَيْنِ الرَّمِدَةِ يَضْعُفُ بَصَرُهَا وَالْيَدِ يَكُونُ فيهَا الضَّعْفُ، إلَّا أَنَّهُ يُبْصِرُ بِالْعَيْنِ وَيَسْتَمْتِعُ بِالْيَدِ وَيَبْطِشُ بِهَا، وَالرِّجْلُ يَسْتَمْتِعُ بِهَا وَيَمْشِي بِهَا إلَّا أَنَّ فيهَا ضَعْفًا.
قَالَ مَالِكٌ: في هَذَا كُلِّهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً.
وَأَمَّا لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ أُصِيبَ بِهِ حَتَّى نَقَصَ لَهُ الْبَصَرُ أَوْ ضَعُفَتْ الْيَدُ أَوْ الرِّجْلُ حَتَّى أَخَذَ لِذَلِكَ عَقْلًا، ثُمَّ أُصِيبَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا لَهُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَقْلِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَالرِّجْلُ كَذَلِكَ وَالْعَرَجُ عِنْدِي مِثْلُ ذَلِكَ.
قُلْت: فَاَلَّذِي أُصِيبَ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ، مِثْلُ الْعِرْقِ يَضْرِبُ في رِجْلِ الرَّجُلِ فيصِيبُهُ مِنْهُ عَرَجٌ أَوْ يُصِيبُهُ رَمَدٌ فيضْعِفُ الْبَصَرَ إلَّا أَنَّهُ يَمْشِي عَلَى الرِّجْلِ وَيُبْصِرُ بِالْعَيْنِ، وَقَدْ مَسَّهَا الضَّعْفُ، فَفيهَا الدِّيَةُ كَامِلَةً إنْ أُصِيبَتْ رِجْلُهُ أَوْ عَيْنُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ كَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ هَذَا إنَّمَا أَصَابَهُ إنْسَانٌ خَطَأً فَأَخَذَ لِذَلِكَ عَقْلًا، ثُمَّ أُصِيبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِرِجْلِهِ خَطَأً، أَخَذَ عَلَى حِسَابِ مَا ذَهَبَ مِنْ الْعَيْنِ وَالْيَدِ وَمَا بَقِيَ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.

.ذِكْرُ الْعَيْنِ وَالسِّنِّ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْعَيْنَ الْقَائِمَةَ، مَا قَوْلُ مَالِكٍ فيهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فيهَا الِاجْتِهَادُ.
وَقَالَ: وَلَيْسَ يَأْخُذُ مَالِكٌ بِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّ فيهَا مِائَةَ دِينَارٍ.
قلت: فَكَمْ في السِّنِّ السَّوْدَاءِ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا طَرَحَهَا رَجُلٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْعَقْلُ فيهَا كَامِلٌ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ أَوْ صَفْرَاءَ؟
قَالَ: السَّوْدَاءُ أَشَدُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فَفيهَا الدِّيَةُ كَامِلَةً عِنْدَ مَالِكٍ، فَفي الْحَمْرَاءِ أَوْ الصَّفْرَاءِ إذَا أَسْقَطَهَا رَجُلٌ فَعَلَيْهِ الْعَقْلُ تَامًّا.
قُلْت: فَإِنْ ضَرَبَهُ رَجُلٌ فَاسْوَدَّتْ سِنَّةٌ أَوْ احْمَرَّتْ أَوْ اصْفَرَّتْ أَوْ اخْضَرَّتْ، مَا قَوْلُ مَالِكٍ في ذَلِكَ؟
قَالَ: مَا سَمِعْنَا مِنْ مَالِكٍ إلَّا إذَا اسْوَدَّتْ فَإِنَّ فيهَا الْعَقْلَ تَامًّا، وَلَا أَدْرِي مَا الْخُضْرَةُ أَوْ الْحُمْرَةُ أَوْ الصُّفْرَةُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِثْلَ السَّوَادِ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا، وَإِلَّا فَعَلَى حِسَابِ مَا نَقَصَ.
قلت: أَرَأَيْتَ السِّنَّ إذَا ضَرَبَهَا رَجُلٌ فَتَحَرَّكَتْ مِنْ ضَرْبِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ تَضْطَرِبُ اضْطِرَابًا شَدِيدًا، فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا، وَإِنْ كَانَ تَحْرِيكًا خَفيفًا عُقِلَ لَهَا بِقَدْرِ ذَلِكَ.
قُلْت: فَكَمْ يُنْتَظَرُ بِهَذِهِ السِّنِّ الَّتِي تَضْطَرِبُ اضْطِرَابًا شَدِيدًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُنْتَظَرُ بِهَا سَنَةٌ.

.جَامِعُ جِرَاحَاتِ الْجَسَدِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الدَّامِيَةَ، كَمْ فيهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: الِاجْتِهَادُ إنْ بَرِئَتْ عَلَى عَثْلٍ إنْ كَانَ خَطَأً، فَإِنْ بَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ عَثْلٍ فَلَا شَيْءَ فيهَا، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا كَانَ فيهَا الْقِصَاصُ مَعَ الْأَدَبِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: فَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّ في كُلِّ عَمْدٍ الْقِصَاصَ، وَالْأَدَبُ مَعَ الْقِصَاصِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْبَاضِعَةَ وَالسِّمْحَاقَ وَالْمِلْطَأَةَ، أَهَؤُلَاءِ مِثْلُ الدَّمِيَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا عَقْلَ فيهِنَّ إذَا بَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ عَثْلٍ؟
قَالَ: نَعَمْ في الْخَطَأِ، وَأَمَّا في الْعَمْدِ فَفيهَا كُلِّهَا الْقِصَاصُ إذَا كَانَ يُسْتَطَاعُ الْقِصَاصُ فيهَا.
قُلْت: كَمْ في الضِّلْعِ إذَا انْكَسَرَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: الِاجْتِهَادُ إذَا بَرِئَ عَلَى عَثْلٍ، فَإِنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ عَثْلٍ فَلَا شَيْءَ فيهِ.
قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ في الْقِصَاصِ مِنْ الضِّلْعِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ يَخَافُ مِنْهُ مِثْلَ عَظْمِ الْفَخِذِ فَلَا قِصَاصَ فيهِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْيَدِ وَالسَّاقِ فَفيهِ الْقِصَاصُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ التَّرْقُوَةَ إذَا كُسِرَتْ، أَفيهَا عَقْلٌ مُسَمًّى عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت فَإِنْ بَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ عَثْلٍ؟
قَالَ: فَلَا شَيْءَ فيهَا إذَا كَانَتْ خَطَأً.
قُلْت: فَإِنْ بَرِئَتْ عَلَى عَثْلٍ كَانَ فيهَا الِاجْتِهَادُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ كَسَرَهَا رَجُلٌ عَمْدًا، أَيُقْتَصُّ مِنْهُ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى فيهَا الْقِصَاصَ لِأَنَّ أَمْرَهَا يَسِيرٌ فيمَا سَمِعْتُ وَلَا يُخَافُ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ يُخَافُ فَهِيَ مِثْلُ مَا يُخَافُ مِنْ الْعِظَامِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْيَدَ وَالرِّجْلَ وَجَمِيعَ عِظَامِ الْجَسَدِ إذَا كُسِرَتْ فَبَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ عَثْلٍ، وَإِنْ كُسِرَتْ خَطَأً، فَلَا شَيْءَ فيهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ لَا شَيْءَ فيهِ.
قُلْت: وَمَا كَانَ مِنْهُ عَمْدًا فَفيهِ الْقِصَاصُ إلَّا في الْفَخِذِ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ في الْفَخِذِ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَا قِصَاصَ في الْفَخِذِ في قَوْلِ مَالِكٍ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ عِظَامِ الْجَسَدِ كُلِّهَا أَنَّ فيهَا الْقِصَاصَ.
فَمَا أَدْرِي مَا عِظَامُ الْجَسَدِ كُلُّهَا إنَّمَا قَالَ مَالِكٌ في كَسْرِ الذِّرَاعَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَالْكَفينِ وَالْأَصَابِعِ إذَا كُسِرَتْ، فَفي هَذَا كُلِّهِ الْقِصَاصُ عِنْدَ مَالِكٍ.
وَأَمَّا عِظَامُ الصُّلْبِ فَقَدْ سَمِعْتُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: الصُّلْبُ مِمَّا لَا يُسْتَطَاعُ الْقِصَاصُ مِنْهُ، وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ.
وَأَمَّا عِظَامُ الصَّدْرِ وَالْأَضَالِعِ فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُسْأَلُ، فَإِنْ كَانَ يُخَافُ مِنْهُ فَلَا قِصَاصَ فيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُخَافُ مِنْهُ فَفيهِ الْقِصَاصُ.
قُلْت: فَمَا يَقُولُ مَالِكٌ في كَسْرِ عِظَامِ الْعُنُقِ، أَفيهَا الْقِصَاصُ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهَا شَيْئًا وَلَا أَرَى فيهَا الْقِصَاصَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ عَظْمَ الرَّأْسِ مِنْ حَيْثُ مَا أَصَابَهُ فَأَوْضَحَهُ، أَهُوَ مُوضِحَةٌ؟ وَكُلُّ نَاحِيَةٍ مِنْهُ سَوَاءٌ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَأَيْنَ مُنْتَهَى مَا هُوَ مِنْ الرَّأْسِ مِمَّا يَلِي الْعُنُقَ، أَيُّ عَظْمٍ هُوَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُ إلَى مُنْتَهَى جُمْجُمَةِ الرَّأْسِ.
فَإِذَا أَصَابَ مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ جُمْجُمَةِ الرَّأْسِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ الْعُنُقِ لَيْسَ فيهِ مُوضِحَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ، لِأَنَّ عَظْمَ الْعُنُقِ إنَّمَا هُوَ مِثْلُ عِظَامِ الْجَسَدِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كُسِرَتْ إحْدَى الزَّنْدَيْنِ وَهُمَا قَصَبَةُ الْيَدِ، أَيُقْتَصُّ مِنْهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلَا شَيْءَ فيهِ إلَّا أَنْ يَبْرَأَ عَلَى عَثْلٍ فيكُونَ فيهِ الِاجْتِهَادُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْيَدَ إذَا قُطِعَتْ مِنْ أَصْلِ الْأَصَابِعِ فَصَاعِدًا إلَى الْمَنْكِبِ، فَإِنَّمَا فيهَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ في الدِّيَةِ؟
قَالَ: نَعَمْ، إذَا قُطِعَتْ الْأَصَابِعُ مِنْ أَصْلِهَا فَقَدْ تَمَّ عَقْلُ الْيَدِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَاَلَّذِي يَقْطَعُ الْيَدَ مِنْ الْمَنْكِبِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَقْلِ - عِنْدَ مَالِكٍ - مِثْلُ مَا عَلَى مَنْ قَطَعَ الْأَصَابِعَ مِنْ أَصْلِهَا، وَتَحْمِلُ ذَلِكَ الْعَاقِلَةُ إذَا كَانَ خَطَأً.
وَإِنْ كَانَ عَمْدًا كَانَ في جَمِيعِ ذَلِكَ الْقِصَاصُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: أَيُقْتَصُّ مِنْ الْيَدِ مِنْ الْمَنْكِبِ؟
قَالَ: نَعَمْ في رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْأَنْفَ إذَا كُسِرَ، مَا فيهِ عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: إذَا بَرِئَ عَلَى غَيْرِ عَثْلٍ فَلَا شَيْءَ فيهِ، وَإِنْ بَرِئَ عَلَى عَثْلٍ فَفيهِ الِاجْتِهَادُ إذَا كَانَ خَطَأً، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْهُ.
فَإِنْ بَرِئَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ وَصَارَ مِثْلَ الْمَجْرُوحِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ في الْأَوَّلِ عَثْلٌ وَبَرِئَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ عَثْلٍ، أَوْ عَثْلٍ وَهُوَ دُونَ الْعَثْلِ الْأَوَّلِ، اُجْتُهِدَ لِلْأَوَّلِ مِنْ الْحُكُومَةِ عَلَى قَدْرِ مَا زَادَ شَيْنُهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.

.مَا جَاءَ في دِيَةِ الْكَفِّ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْكَفَّ إذَا ذَهَبَ مِنْهَا أُصْبُعَانِ - ذَهَبَتَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أَوْ قَطَعَهُمَا رَجُلٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً - فَاقْتُصَّ مِنْهُ أَوْ أَخَذَ لِذَلِكَ عَقْلًا، ثُمَّ قَطَعَ رَجُلٌ كَفَّهُ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثَةِ عَمْدًا، أَيُقْتَصُّ لَهُ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الْأُصْبُعِ الْوَاحِدَةِ إذَا قُطِعَتْ مِنْ الْكَفِّ، ثُمَّ قَطَعَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ كَفَّهُ هَذِهِ الْمَقْطُوعَةَ الْأُصْبُعِ عَمْدًا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ أَرَى لَهُ الْقِصَاصَ وَأَرَى أَنْ تُقْطَعَ يَدُ قَاطِعِهِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: الْإِبْهَامَ كَانَتْ الْمَقْطُوعَةُ أَوْ غَيْرَهَا؟
قَالَ: مَا وَقَفْتُ مَالِكًا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ عِنْدِي سَوَاءٌ.
قَالَ: وَأَمَّا الْأُصْبُعَانِ وَالثَّلَاثَةُ فَقَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي سَمِعْتُ وَبَلَغَنِي عَنْهُ في الْأُصْبُعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ لَهُ مِنْ قَاطِعِهِ، وَلَكِنْ يَكُونُ لَهُ الْعَقْلُ عَلَى قَاطِعِهِ في مَالِهِ.
قُلْت: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ كَفَّ رَجُلٍ لَيْسَ فيهَا إلَّا أُصْبُعٌ أَوْ أُصْبُعَانِ خَطَأً، مَا عَلَى الْقَاطِعِ مِنْ الْعَقْلِ؟ أَخُمْسَا الدِّيَةِ أَمْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَمْ أَقَلُّ؟ فَإِنْ كَانَتْ أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ فَكَمْ عَقْلُهَا؟ أَخُمْسُ الدِّيَةِ أَمْ أَكْثَرُ أَمْ أَقَلُّ؟
قَالَ: إذَا قُطِعَ مِنْ الْأَصَابِعِ شَيْءٌ فَإِنَّمَا لَهُ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَصَابِعِ في الْكَفِّ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَإِنِّي لِأَسْتَحْسِن أَنْ يَكُونَ لَهُ فيمَا بَقِيَ مِنْ الْكَفِّ الْحُكُومَةُ، وَفي الْأُصْبُعِ الدِّيَةُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَطَعَ رَجُلٌ يَمِينَ رَجُلٍ وَلَا يَمِينَ لِلْقَاطِعِ، أَيَكُونُ فيهِ الْعَقْلُ مُغَلَّظًا في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: فيهِ الْعَقْلُ غَيْرَ مُغَلَّظٍ مِثْلُ عَقْلِ دِيَةِ الْعَمْدِ إذَا قُبِلَتْ في الْإِنْسَانِ مَعَ الْأَدَبِ، وَالْعَقْلُ في مَالِهِ لَيْسَ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمَأْمُومَةَ وَالْجَائِفَةَ إذَا كَانَتَا عَمْدًا، أَهُمَا في مَالِ الْجَانِي أَمْ عَلَى الْعَاقِلَةِ؟
قَالَ: كَانَ مَالِكٌ - مَرَّةً - يَقُولُ: هِيَ في مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ.
ثُمَّ رَجَعَ فَرَأَى أَنَّهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ - وَهُوَ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَلَّمْتُهُ فيهِ غَيْرَ مَرَّةٍ فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا أَخْبَرْتُكَ، وَثَبَتَ مَالِكٌ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ رَأْيِي أَنَّهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ.
قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ في الرَّجُلِ يَقْطَعُ يَمِينَ الرَّجُلِ عَمْدًا وَلَا يَمِينَ لِلْقَاطِعِ وَلَا مَالَ، أَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلَكِنْ يَكُونُ في مَالِ الْقَاطِعِ يُتْبَعُ بِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ.
قُلْت: فَمَا فَرْقُ بَيْنَ الْيَدِ وَالْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ في الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ: إنَّهُمَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانَ لِلْجَانِي مَالٌ؟ وَقَدْ قَالَ في الْيَدِ: إنَّ الْقَاطِعَ إذَا قَطَعَ يَمِينَ الرَّجُلِ وَلَا يَمِينَ لَهُ، إنَّ ذَلِكَ في مَالِ الْقَاطِعِ - كَانَ الْقَاطِعُ غَنِيًّا أَوْ عَدِيمًا -؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شَيْءٍ يَجْنِيهِ الْإِنْسَانُ عَلَى عَمْدٍ فَلَا يَكُونُ فيهِ الْقِصَاصُ، وَفي جَسَدِ الْجَانِي مِثْلُ الَّذِي جَنَى عَلَيْهِ.
فَلَا يَكُونُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ، فَعَقْلُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَعَلَى هَذَا الْجَانِي الْأَدَبُ.
وَتَفْسِيرُ هَذَا إنَّمَا هُوَ في مِثْلِ الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَمَا لَا يُسْتَطَاعُ مِنْهُ الْقَوَدُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا بَلَغَ مِنْ الْحُكْمِ مَا فيهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ فيهِمَا مِنْ الْجَانِي وَفي رَأْسِهِ، وَفي جَسَدِهِ مَوْضِعُ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسْتَطَاعُ مِنْهُ الْقَوَدُ، وَمَا جَنَى الرَّجُلُ مِنْ جِنَايَةٍ فيهَا الْقِصَاصُ أَنْ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً في الْجَانِي إلَّا أَنَّهَا قَدْ ذَهَبَتْ مِنْ الْجَانِي وَلَا يَجِدُ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ مَا يَقْتَصُّ مِنْهُ، لِأَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ مِنْ الْجَانِي.
وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فيهِ قَائِمًا لَاقْتَصَّ مِنْهُ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ الْقِصَاصِ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لَيْسَ في الْجَانِي، فَهَذَا فيهِ الْعَقْلُ عَلَى الْجَانِي في مَالِهِ وَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ.
قَالَ: وَتَفْسِيرُ هَذَا مِثْلُ الرَّجُلِ يَقْطَعُ يَمِينَ الرَّجُلِ عَمْدًا وَلَا يَمِينَ لِلْقَاطِعِ، فَالْقَاطِعُ لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ قَائِمَةً لَقَطَعَهَا هَذَا الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ مَكَانَ يَدِهِ، وَلَكِنَّهَا ذَاهِبَةٌ فَلَا يَجِدُ مَا يَقْطَعُ.
فَهَذَا الَّذِي يَكُونُ الْعَقْلُ في مَالِهِ وَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ - في قَوْلِ مَالِكٍ - فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا.

.مَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ وَمَا لَا تَحْمِلُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْعَاقِلَةَ في قَوْلِ مَالِكٍ، هَلْ تَحْمِلُ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ؟
قَالَ: لَا تَحْمِلُ في قَوْلِ مَالِكٍ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا تَحْمِلُ إلَّا الثُّلُثَ فَصَاعِدًا.
قُلْت: وَكُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ في الْجَسَدِ يَبْلُغُ الثُّلُثَ مِنْ ذَهَابِ بَصَرٍ أَوْ سَمْعٍ أَوْ لِسَانٍ أَوْ شَلَلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ في الْجَسَدِ، فَإِذَا بَلَغَ الثُّلُثَ حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ خَطَأً.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ ضَرَبَهُ فَشَجَّهُ ثَلَاثَ مُنَقِّلَاتٍ في ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ، لِأَنَّ هَذَا قَدْ بَلَغَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ.
قُلْت: فَإِنْ شَجَّهُ ثَلَاثَ مُنَقِّلَات في ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ في مَقَامٍ وَاحِدٍ، أَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ أَمْ يُجْعَلُ ذَلِكَ في مَالِ الْجَانِي؟
قَالَ: إنْ كَانَ ضَرَبًا يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا لَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ.
وَإِنْ كَانَ شَيْئًا مُفْتَرِقًا في غَيْرِ فَوْرٍ وَاحِدٍ لَمْ تَحْمِلْهُ الْعَاقِلَةُ، وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَصَبْتُ أُصْبُعَ رَجُلٍ خَطَأً فَأَخَذَ عَقْلَهَا، ثُمَّ قَطَعَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ كَفَّهُ خَطَأً، مَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْعَقْلِ عَلَى الْقَاطِعِ؟
قَالَ: لَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ عَقْلَ الْأُصْبُعِ.
قُلْت: وَإِنْ كَانَتْ الْأُصْبُعُ إنَّمَا ذَهَبَتْ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَمْ يَأْخُذْ لَهَا عَقْلًا؟
قَالَ: هُوَ كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ، لِأَنَّ الْعَقْلَ إنَّمَا هُوَ في الْأَصَابِعِ.
أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ أَصَابِعَهُ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ بِغَيْرِ كَفٍّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ؟ فَالْأُصْبُعُ إذَا ذَهَبَتْ بِعَقْلٍ أَخَذَهُ فيهَا أَوْ ذَهَبَتْ بِأَمْرٍ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَعَقَلَ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَصَابِعِ في الْخَطَأِ وَأَخَذَهُ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ الْأُصْبُعُ إنَّمَا قُطِعَتْ عَمْدًا فَاقْتَصَّ مِنْ قَاطِعِهِ، ثُمَّ قُطِعَتْ كَفُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ خَطَأً، أَيَأْخُذُ دِيَتَهَا كَامِلَةً أَمْ لَا؟
قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا عَلَى حِسَابِ مَا بَقِيَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في الْعَيْنِ يُصِيبُهَا الرَّجُلُ بِشَيْءٍ فينْقُصُ بَصَرُهَا أَوْ الْيَدُ فيضْعِفُهَا ذَلِكَ - وَبَصَرُ الْعَيْنِ قَائِمٌ، وَالْيَدُ يَبْطِشُ بِهَا - وَلَمْ يَأْخُذْ لَهَا عَقْلًا.
قَالَ مَالِكٌ: أَرَى عَلَى مَنْ أَصَابَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْعَقْلَ كَامِلًا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ في السِّنِّ إذَا اسْوَدَّتْ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا، وَإِنْ أُصِيبَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَفيهَا أَيْضًا عَقْلُهَا كَامِلًا.
قَالَ مَالِكٌ: فَالسِّنُّ قَدْ أَخَذَ لَهَا عَقْلُهَا، وَمَنْفَعَتُهَا قَائِمَةٌ.
قَالَ: قُلْت لِمَالِكٍ: فَإِنْ كَانَ أَخَذَ لِذَلِكَ شَيْئًا في نُقْصَانِ الْيَدِ وَالْعَيْنِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ أَشْكَلُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا بَقِيَ وَيُقَاصُّ بِمَا أَخَذَ.
وَقَدْ قَالَ لِي قَبْلَ ذَلِكَ: لَيْسَ لَهُ إلَّا عَلَى حِسَابِ مَا بَقِيَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً فَضَعُفَتْ وَأَخَذَ لَهَا عَقْلًا، وَكَانَ يَبْطِشُ بِهَا وَيَعْمَلُ بِهَا ثُمَّ أَصَابَهَا بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْهُ.
وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ لَوْ أَصَابَهَا رَجُلٌ خَطَأً بِشَيْءٍ فَأَخَذَ لَهَا عَقْلًا، وَقَدْ كَانَ يُبْصِرُ بِهَا ثُمَّ أَصَابَهَا بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ عَمْدًا اُقْتُصَّ لَهُ مِنْهُ.
فَالْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ في هَذَا مُخْتَلِفَانِ، وَأَمَّا الْكَفُّ الَّتِي يُقْطَعُ بَعْضُهَا - عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً - ثُمَّ تُصَابُ خَطَأً بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا عَلَى قَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْهَا، قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ.

.في سِنِّ الصَّبِيِّ إذَا لَمْ يُثْغِرْ:

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَالَ مَالِكٌ في الصَّبِيِّ إذَا لَمْ يُثْغِرْ يُنْزَعُ سِنُّهُ خَطَأً.
قَالَ: يُؤْخَذُ الْعَقْلُ كَامِلًا فيوضَعُ عَلَى يَدَيْ ثِقَةٍ، فَإِنْ عَادَتْ لِهَيْئَتِهَا رَدَّ الْعَقْلَ إلَى أَهْلِهِ، وَإِنْ لَمْ تَعُدْ أَعْطَى الْعَقْلَ كَامِلًا.
فَإِنْ هَلَكَ الصَّبِيُّ قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ السِّنُّ فَالْعَقْلُ لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ نَبَتَتْ أَصْغَرَ مِنْ قَدْرِهَا الَّذِي قُلِعَتْ مِنْهُ كَانَ لَهُ مِنْ الْعَقْلِ قَدْرُ مَا نَقَصَتْ.
قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ إنَّمَا نُزِعَتْ عَمْدًا فَإِنَّهُ يُوضَعُ لَهُ الْعَقْلُ أَيْضًا وَلَا يُعَجَّلُ بِالْقَوَدِ حَتَّى يُسْتَبْرَأَ أَمْرُهَا، فَإِنْ عَادَتْ لِهَيْئَتِهَا فَلَا عَقْلَ فيهَا وَلَا قَوَدَ، وَإِنْ لَمْ تَعُدْ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِنْ عَادَتْ أَصْغَرَ مِنْ قَدْرِهَا أُعْطِيَ مَا نَقَصَتْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى فيهَا إنْ لَمْ تَعُدْ لِهَيْئَتِهَا حَتَّى مَاتَ الصَّبِيُّ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَلَيْسَ فيهَا عَقْلٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا اُسْتُؤْنِيَ بِهِ النَّبَاتُ فَدَفَعَ الْقَوَدَ.
فَإِذَا مَاتَ الصَّبِيُّ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ تَنْبُتْ فَفيهِ الْقِصَاصُ بِقَتْلِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ في الْمَرْأَةِ لَوْ قُطِعَتْ لَهَا أُصْبُعَانِ عَمْدًا فَاقْتَصَّتْ أَوْ عَفَتْ، ثُمَّ قُطِعَ مِنْ ذَلِكَ الْكَفِّ أَيْضًا أُصْبُعَانِ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ لَهَا عِشْرُونَ بَعِيرًا، وَلَا يُضَافُ هَذَا إلَى مَا قُطِعَ قَبْلَهُ، لِأَنَّ الَّذِي قُطِعَ أَوَّلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ دِيَةٌ، وَإِنَّمَا كَانَ عَمْدًا، وَإِنَّمَا يُضَافُ بَعْضُ الْأَصَابِعِ إلَى بَعْضٍ في الْخَطَأِ.